تمتلك رهف عينين واسعتين جداً، هما جميلتان جداً في وجهها، إلى درجة أنهما يمكن أن تسببا حرباً أهلية في أي دولة ذات كثافة سكّانيّة من الشبّان.
لا مشكلة هنا، المشكلة أن هناك نسخة طبق الأصل من تلك العينين أنفسهما في هذا العالم، وهما مثبّتتان تماماً في وجه ملاك، التي أضحى من الممنوع تماماً تسجيل اسمها في الأحوال المدنية، لكنهما – ويا للأسف – قبيحتان جداً في وجهها، مع أنهما هما هما، هنا وهناك. والمفارقة صارخة على نحو قد يشعل حرباً بين دولتين متجاورتين من النوع المذكور، هذا لو قُدّر أنّ رهف كانت من بلدٍ وملاك من بلد آخر.
قررت مجلّة سيّارة أن تستشير خبراء التجميل وعلماء الجمال وفلاسفة شرق أوربّا وعرب الشمال في هذه المعضلة، ونَشرت القضية في تحقيق صحافي مرفق بالصور والحيثيات والآراء، وخرج الموضوع في قناة فضائية، ثم في هشتاق ملتهب، ثم في قنوات يوتيوب، ثم تحوّل إلى حدث الساعة في مقاطع جميع المشاهير تقريباً، وأخيراً أصبح حلبة لمعركة أدبية بين أديب خليجي وداعية خليجي أيضاً، وتطوّر إلى مباهلة بينهما.
الحقيقة هي أن الجميع كانوا منذ البداية يعرفون الإجابة الصحيحة وسر الجَمال ومكمن القبح، لكن الجميع أيضاً قرروا خوض المعمعة بدافع من لذّات خفيّة ومطامع شخصية وأهواء ذاتيّة ليست ذات علاقة بجوهر الأمر. بدليل أن العينين الواسعتين رُصِدَتا أيضاً بعد ذلك، لكن بعد خمود التسونامي المذكور، وهما تتربّعان في وجه امرأة خمسينية متزوجة ولها أربعة أبناء، وأظهرَتها إحدى قريباتها وهي تتحدّث إليها في مقطع عفوي، في السناب، ثم في أنستغرام، ثم في الفيس، ولكن أحداً لم يلتفت… أبداً.
يحلو لي أن أجلس في إجازتي الأسبوعية مساءً على فرشة كشتات حمراء وأبسطها على رصيف الممشى، أشرب الشاي، ويعبر من أمامي المارّة تباعاً، مستنداً بظهري إلى الحائط، ومفكّراً في أشياء بعيدة كل البعد عن ملاك ورهف، وقريبة كل القرب مما يمكن أن تفكّر فيه المرأة الخمسينية، أشياء مثل قرب الوسم وإنهاء ترميم البيت قبل رمضان وخطتي الجديدة لنخل المزرعة، ومثل هموم الإنفاق على نصف دستة من طينة معجبي رهف. وأدرك، يقيناً، ودون اهتمام كبير، أنّ العالم مليء بالعيون الواسعة والضيّقة، وأن ثمة نساء تظل الواحدة منهنّ قبيحة ولو اعتقد العالم بأجمعه عكس ذلك، وسواء أكانت عيناها واسعتين أم ضيقتين، وخذ لديك ميريل ستريب على سبيل المثال.