ينبغي أن أنبّه في بداية هذه الصفحة المعقّدة على أن التفاصيل الآتية كلها غير مهمّة؛ فالمراد منها واضحٌ سلَفاً، بل إن تجشّم عناء قراءتها أشبه بمحاولة إحصاء يَدويّ لحبّات كثيب رملي عددُها معروفٌ مسبقاً.
بدأ المحو قديماً، منذ وقت لا يتذكره الأحياء، ظلّت الحروف مرقومة في الكتب، ولم تصعد إلى السماء كأبخرة صباحية أو كأرواح ترتقي في المعارج، بل فقدت البشرية قدرتها على تهجّيها رويداً رويداً، كما ينتاب الضعف بصرَ الإنسان مع السنين.
أصرّ الأطفال أول الأمر على أن يشاهدوا المقاطع المرئية بخلفياتها الموسيقية، وفضّل أجدادهم أن يستمعوا إلى الكتب الصوتية، وحفظ آباؤهم ما أرادوا قوله ونطقوه شفوياً أمام كاميرات الأجهزة الذكية، ثم بثّوه، ممنتَجاً، بمرفقات سمعية، أو مقصوصاً بغير مؤثرات، أو غير مقطّعٍ البتّة.
لا معنى محدداً للهيروغليفية هنا، فليست لفظة تدل على لغة محددة، إنها استعارة، قد تعني: الصينية، أو العبرية، أو العربية، أو الإنجليزية…كل هذه أَلْسِنَةٌ يصعب رسمُها الآن في هذه الحقبة من المستقبل، والأوعر من ذلك فَهْمُها.